فصل: ثم دخلت سنة سبعين ومائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


 سنة تسع وستين ومائة

فمن الحوادث فيها خروج المهدي في المحرم إلى ما سبذان ‏.‏

وكان سبب خروجه‏:‏ أنه قد عزم في آخر عمره أن يقدم هارون على موسى فبعث إلى موسى وهو بجرجان بعض أهل بيته ليقطع أمر البيعة ويقدم الرشيد فلم يفعل فبعث إليه المهدي بعض الموالي فامتنع موسى من القدوم عليه وضرب الرسول فخرج المهدي يريده بجرجان فأصابه ما أصابه وولي الهادي وفيها‏:‏ توفي المهدي باالله ‏.‏

 باب ذكر خلافة موسى الهادي

وهو موسى بن محمد المهدي بن المنصور ويكنى أبا محمد أمه‏:‏ الخيرزان أم ولد وكان طويلًا جسيمًا أبيض مشربًا حمرة وفي شفته العليا تقلص ولد بالري وكان يثب على الدابة وعليه درعان وكان المهدي يسميه‏:‏ ريحانتي ‏.‏

 ذكر بيعته بويع لموسى الهادي

يوم توفي المهدي وكان الهادي إذ ذاك بجرجان يحارب أهل طبرستان فاجتمع الموالي والقواد على هارون وقالوا‏:‏ إن علم الجند بوفاته لم نأمن الشغب والرأي أن تنادي في الجند بالقفول حتى نواريه ببغداد فقال هارون‏:‏ ادعوا إلي أبي يحيى بن خالد وكان المهدي قد ولى هارون المغرب كله من الأنبار إلى إفريقية فأمر يحيى بن خالد أن يتولى ذلك وكان بأعماله ودواوينه إلى أن توفي فلما جاء يحيى قال له هارون‏:‏ يا أبت ما تقول فيما يقول عمرو بن بزيغ ونصير والمفضل قال‏:‏ وما قالوا فأخبره قال‏:‏ ما أرى ذلك قال‏:‏ ولم قال‏:‏ لأن هذا لا يخفى ولا آمن إذا علم الجند أن يتعلقوا بمحمله ويقولون‏:‏ لا نخليه حتى نعطى لثلاث سنين وأكثر ويتحكموا ويشتطوا ولكن أرى أن يوارى هاهنا وتوجه نصيرًا إلى أمير المؤمنين الهادي بالخاتم والقضيب والتعزية والتهنئة فإن البريد لا ينكر أحدً خروجه وأن تأمر لمن معك من الجند بجوائز مائتين مائتين وتنادي فيهم بالقفول فإنهم إذا قبضوا الدراهم لم يكن لهم همة سوى أهاليهم وأوطانهم فلما قبض الجند الدراهم قالوا‏:‏ بغداد بغداد فلما وصلوا إلى بغداد وعلموا خبر الخليفة ساروا إلى منزل الربيع فأخرجوه وطالبوا بالأرزاق وضجوا وقدم هارون بغداد وأعطى الجند لسنتين فسكتوا ‏.‏

ووجه هارون الجنود إلى الأمصار ونعى لهم المهدي وأخذ بيعتهم للهادي وله بولاية العهد ولما بلغ الهادي وفاة المهدي نادى من فوره بالرحيل فلما وصل إلى مدينة السلام استقبله الناس فوصل لعشر بقين من صفر فسار من جرجان إلى بغداد في عشرين يوما فلما قدمها نزل القصر الذي يسمى الخلد وكان له جاريه حظية تحبه فكتبت يا بعيد المحل أمسى بجرجان نازلًا في أبيات أخرى فلما دخل بغداد لم يكن له هم سواها فدخل فأقام عندها يومه وليلته قبل أن يظهر للناس ‏.‏

ثم ولى الربيع الوزارة مكان عبيد الله بن زياد بن أبي ليلى وضم إليه ما كان عمر بن بزيع يتولاه من الزمام وولى الفضل بن الربيع الحجابة وولى محمد بن جميل ديوان خراج العراق وولى ابن زياد خراج الشام وما يليه وأقر على حرسه علي بن عيسى بن ماهان وضم إليه ديوان الجند وولى شرطه عبد الله بن مالك مكان عبد الله بن حازم وأقر الخاتم بيد علي بن يقطين وولى أبا يوسف القضاء ‏.‏

 ذكر أولاده

كان له جعفر وهو الذي يرشحه للخلافة والعباس وعبد الله وإسحاق وإسماعيل وسليمان وموسى ولد بعد موت أبيه وكلهم لأمهات أولاد وكان له ابنتان‏:‏ أم عيسى وكانت عند المأمون وأم العباس ‏.‏

طرف من سيرته وأخباره أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ حدثنا الأزهري قال‏:‏ حدثنا سهل بن الديباجي قال‏:‏ حدثنا الصولي قال‏:‏ حدثنا الغلابي قال‏:‏ حدثنا محمد بن عبد الرحمن التيمي قال‏:‏ حدثني المطلب بن عكاشة المزني قال‏:‏ قدمنا على أمير المؤمنين شهودًا على رجل منا شتم قريشًا وتخطى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس لنا مجلسًا أحضر فيه فقهاء أهل زمانه ومن كان بالحضرة على بابه واحضر الرجل وأحضرنا فشهدنا عليه بم سمعنا منه فتغير وجه الهادي ثم رفعه فقال‏:‏ إني سمعت أبي المهدي يحدث‏:‏ عن أبيه المنصور عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن عباس قال‏:‏ من أراد هوان قريش أهانه الله ‏.‏

وأنت ياعدو الله لم ترض بأن أردت ذلك من قريش حتى تخطيت إلى ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم اضربوا عنقه فما برحنا حتى قتل ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن الحسن النغالي قال‏:‏ حدثنا العباس بن الفضل عن أبيه قال‏:‏ غضب موسى الهادي على رجل فكلم فيه فرضي عنه فذهب يعتذر فقال له موسى‏:‏ إن الرضى قد كفاك مؤونة الاعتذار ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا الحسن بن محمد بن عبد الواحد بن علي البزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو سعيد السيرافي قال‏:‏ حدثنا محمد بن أبي الأزهر النحوي قال‏:‏ حدثنا الزبير بن بكار قال‏:‏ حدثني عمي مصعب بن عبد الله عن جدي عبد الله بن مصعب قال‏:‏ دحل تشابه يومًا بأسه ونواله فما أحد يدري لأيهما الفضل فقال له الهادي‏:‏ أيما أحب إليك ثلاثون ألفًا معجلة أو مائة ألف تدور في الدواوين قال‏:‏ يا أمير المؤمنين أنت تحسن ما هو أحسن من هذا ولكنك أنسيته أفتأذن لي أن أذكرك قال‏:‏ نعم قال‏:‏ تعجل الثلاثون الألف وتدور المائة ألف ‏.‏

قال‏:‏ بل تعجلان لك جميعًا فحمل ذلك إليه ‏.‏

قال سعيد بن سلم‏:‏ سرنا مع الهادي بين أبيات جرجان فسمع صوتًا من بعض تلك البساتين من رجل يتغنى فقال لصاحب شرطته‏:‏ علي بالرجل الساعة ‏.‏

فقلت‏:‏ يا أمير المؤمنين ما أشبه قصة هذا الخائن بقصة سليمان بن عبد الملك فإنه كان في متنزه له ومعه حرمه فسمع من بستان آخر صوت رجل يتغنى فدعا صاحب شرطته فقال‏:‏ علي بصاحب هذا الصوت فلما مثل بين يديه قال‏:‏ ما حملك على الغناء وأنت إلى جنبي ومعي حرمي‏!‏ أما علمت أن الرماك إذا سمعت صوت الفحل حنت قال‏:‏ فجب الرجل فلما كان في العام المقبل ذهب سليمان إلى ذلك المتنزه فجلس وذكر الرجل فقال لصاحب شرطته‏:‏ علي بالرجل الذي جببناه فلما مثل بين يديه قال له‏:‏ إما بعت فوفيناك وإما وهبت فكافأناك قال‏:‏ فو الله ما دعاه بالخلافة ولكنه قال‏:‏ يا سليمان إنك قطعت نسلي وذهبت بماء وجهي وحرمتني لذتي ثم تقول‏:‏ إما وهبت وإما بعت لا والله حتى أقف بين يدي الله ‏.‏

قال‏:‏ فقال موسى‏:‏ يا غلام رد قال علي بنى صالح‏:‏ ركب الهادي يومًا يريد عيادة أمه الخيرزان من علة كانت بها فاعترضه عمر بن بزيع فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين ألا أدلك على وجه هو أعود عليك من هذا قال‏:‏ وما هو يا عمر قال‏:‏ المظالم لم تنظر فيها منذ ثلاثة أيام فأومأ إلى المطرقة أن يميلوا إلى دار المظالم وبعث إلى الخيرزان بخادم يعتذر من تخلفه ويقول‏:‏ إن عمر أخبرنا من حق الله عز وجل بما هو أوجب علينا من حقك فملنا إليه ونحن عائدون إليك في غد إن شاء الله تعالى ‏.‏

وفيها‏:‏ اشتدى طلب موسى للزنادقة فقتل منهم جماعة فكان فيمن قتل منهم كاتب يقطين وابنه علي بن يقطين وكان علي قد حج فنظر إلى الناس في الطواف يهرولون فقال‏:‏ ما أشبههم ببقر يدوس في البيدر ‏.‏

فقال شاعر‏:‏ قل لأمين الله في خلقه ووارث الكعبة والمنبر ماذا ترى في رجل كافر يشبه الكعبة بالبيدر ويجعل الناس إذا ما سعوا حمرًا يدوس البر والدوسر فقتله موسى ثم صلبه فسقطت خشبته على رجل من الحاج فقتلته وقتلت حماره وقتل من بني هاشم يعقوب بن الفضل بن عبد الرحمن بن عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وكان المهدي أتي به وبابن لداود بن علي فحبسهما لما أقرا له بالزندقة وقال ليعقوب‏:‏ لولا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم من كنت‏!‏ أما والله لولا إني كنت جعلت على الله عهدًا إن ولاني أن لا أقتل هاشميًا لما ناظرتك ثم التفت إلى الهادي فقال‏:‏ يا موسى أقسمت عليك بحقي إن وليت هذا الأمر من بعدي أن لا تناظرهما ساعة واحدة ‏.‏

فمات ابن داود بن علي في الحبس قبل وفاة المهدي فلما قدم الهادي من جرجان ذكر وصية المهدي فأرسل إلى يعقوب فألقى عليه فراشًا وأقعدت عليه الرجال حتى مات ولها عنه وكان الحر شديدًا فقيل له‏:‏ قد انتفخ فقال‏:‏ ابعثوا به إلى أخيه إسحاق بن الفضل فأخبروه أنه مات في الحبس فبعث إليه فإذا ليس فيه موضع للغسل فدفن من ساعته ‏.‏

وكان ليعقوب ابنة تسمى فاطمة فوجدت حبلى منه وأقرت بذلك فأدخلت وامرأة يعقوب بن داود يقال لها خديجة على الهادي أم على المهدي فأقرتا بالزندقة وأقرت فاطمة أنها حبلى من أبيها فأرسل بهما إلى ريطة بنت أبي العباس فرأتهما مكحاتين مخضوبتين فعذلتهما خصوصًا البنت فقالت‏:‏ أكرهني فقالت لها‏:‏ فما بال الخضاب والكحل ولعنتهما ففزعتا فماتتا ‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ خرج الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ‏.‏

وسبب ذلك‏:‏ أن إسحاق بن عيسى بن علي كان على المدينة فلما استخلف الهادي وفد إليه واستخلف على المدينة عمر بن عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي عنهم فخرج الحسين بالمدينة وصعد المنبر وعليه قميص أبيض وعمامة بيضاء فخطب وقال‏:‏ أيها الناس أنا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرم الله وفي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه فإن لم أف لكم فلا بيعة لي في أعناقكم ‏.‏

وجرت الحرب بينه وبين الولاة ثم خرج إلى مكة فبعث الهادي محمد بن سليمان للحرب فقتل الحسين وأصحابه وجيء برأسه إلى الهادي وكان مبارك التركي قد كره حرب الحسين وبعث إليه‏:‏ والله لئن أسقط من السماء أحب إلي من أن أشوكك بشوكة ولا بد من الاعتذار فخرج إليه في نفر يسير فانهزم فغضب عليه الهادي وأمر بقبض أمواله وتصيره في ساسة الدواب فلم يزل كذلك حتى مات الهادي ‏.‏

وجرت في هذه السنة حادثة عجيبة‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن المحلى قال‏:‏ أخبرنا أخي أبو نصر هبة الله بن علي قال‏:‏ أخبرنا أبو سعد محمد بن أحمد بن الحسن الحاسب قال‏:‏ حدثنا عبد العزيز أبو الحسن قلب‏:‏ حدثنا أبو محمد بن علي بن عبد الله الجوهري قال‏:‏ حدثنا أبو الحسن الدمشقي قال‏:‏ حدثنا الزبير قلب‏:‏ حدثني الحسن بن هانئ أبو نواس قال‏:‏ حدثني أبو عمرو الأعجمي صاحب خبر السند أيام المنصور ثم ولاه ما استخلف قال‏:‏ فكتب في خبره أن رجلًا من أشراف أهل السند من آل المهلب بن أبي صفرة اشترى غلامًا أسود وهو صغير فرباه وتبناه فلما اشتد الغلام هوي مولاته وراودها عن نفسها فأجابته فدخل مولاه يومًا على غرة منه فإذا هو على بطن امرأته فعمد إليه فجب ذكره وتركه يتشحط في دمه ثم أنه أدركته عليه رقة وتخوف من فعله به فعالجه إلى أن أبل من علته فأقام بعد هذه الحادثة حينًا يطلب غرة مولاه ليثأر منه ويدبر عليه أمرًا يكون فته شفاء قلبه وكان لمولاه ابنان أحدهما طفل والآخر يافع فغاب الرجل عن منزله في بعض أموره فأخذ الأسود الصبيين فصعد بهما ذروة سطح عال فنصبهما هناك وجعل يعللهما بالمطعم وباللعب إلى أن دخل مولاه فرفع رأسه فإذا بابنيه في شاهق والغلام فقال‏:‏ ويلك يا فلان عرضت ابني للموت قال‏:‏ أجل قد ترى موضعهما فوالله الذي تحلف به لأن لم تجب نفسك كما جببتني لأرمين بهما ‏.‏

فقال‏:‏ ويلك الله الله في وفي بني قال‏:‏ دع عنك هذا فوالله ما هي إلا نفسي وإني لأسمح بها من شربة ماء أسقاها فجعل يكرر ذلك عليه ويأبى فذهب ليروم الصعود إليه فأهوى بهما ليرديهما من ذروة ذلك الشاهق فقال أبوهما‏:‏ ويلك اصبر حتى أخرج مدية قال‏:‏ افعل ما أردت فأخذ مدية واستقبله ليرى ما يصنع فرمى ذكره وهو يراه فلما علم أنه قد فعل رمى بالصبيين فتقطع الصبيان وقال‏:‏ هذا الذي فعلت ثأري وهذا زيادة فيه فأخذ الأسود وكتب بخبره فكتب موسى إلى صاحب السند بقتل الغلام وقال‏:‏ ما سمعت بأعجب من هذا وأمر أن يخرج من ملكه وملك نسائه كل أسود ‏.‏

وفيها‏:‏ حج بالناس في هذه السنة سليمان بن المنصور ‏.‏

وكان على المدينة عمر بن عبد العزيز العمري وكان على مكة والطائف عبيد الله بن قثم وعلى اليمن إبراهيم بن سلم بن قتيبة وعلى اليمامة والبحرين سويد بن أبي سويد الخراساني وعلى صلاة الكوفة وأحداثها موسى بن عيسى وعلى صلاة البصرة وأحداثها محمد بن سليمان وعلى قضائها عمر بن عثمان وعلى جرجان الحجاج مولى الهادي وعلى قومس زياد بن حسان وعلى طبرستان والرويان صالح بن شيخ ابن أبي عميرة الأسدي ‏.‏

ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

الحسن بن الخليل بن مرة كان كثير التعبد طويل البكاء‏.‏

أخبرنا ابن ناصر قال‏:‏ أخبرنا إسماعيل بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أبو الطاهر محمد بن أحمد بن عبد الرحيم قال‏:‏ حدثنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن شاذان قال‏:‏ حدثنا أبو أيوب سليمان بن أحمد بن يحيى البصري قال‏:‏ حدثنا الحسين بن محمد بن بادا قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن صالح قال‏:‏ ما رأيت بمصر من أفضله على الحسن بن الخليل في زهده وورعه ولقد رأيته يحمل دقيقًا في جراب للناس بأجرة يتقوت في كل جمعة بحمل يوم ثم زاد أمره فلم يكن يدخر لوقت ثاني وعليه مدرعة قيمتها أقل من درهم وأجمع أهل مصر أنه مستجاب الدعوة ‏.‏

أخبرنا إسماعيل بن محمد الأنصاري قال‏:‏ أخبرنا علي بن أيوب قال‏:‏ أخبرنا الحسن بن محمد الخلال قال‏:‏ حدثنا محمد بن إبراهيم قال‏:‏ حدثنا سليمان بن أحمد قال‏:‏ حدثنا الحسين بن محمد بن بادا قال‏:‏ أخبرنا عبد الله بن صالح قال حدثني موسى بن هارون قال‏:‏ رأيت الحسن بن الخليل مرة بعرفات فكلمته ثم رأيته يطوف بالبيت فقلت‏:‏ ادع الله لي أن يتقبل حجي فبكى ودعا لي ثم أتيت مصر فقلت‏:‏ إن الحسن بن الخليل كان معنا بمكة فقالوا‏:‏ ما حج العام وقد كان يبلغني أنه يمر إلى مكة في ليلة فما كنت أصدق حتى رأيته فعاتبني وقال‏:‏ شهرتني ما كنت أحب أن تحدث بهذا فلا تعد بحقي عليك ‏.‏

الحسن بن صالح بن حي ولد هو وأخوه علي توأم سنة مائة فكانا وأمهما يقومون الليل كله على الثلث ويقرأ ثلث القرآن ثم ينام ويقوم الحسن الثلث فماتت أمهما فحزبا الليل بينهما ثم مات علي فقام الحسن به كله وكان يختم كل ليلة ‏.‏

وباع الحسن جارية فقال‏:‏ أخبروهم أنها تنخمت عندنا مرة دمًا ‏.‏

أخبرنا عبد الخالق بن أحمد قال‏:‏ أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال‏:‏ أخبرنا محمد ابن علي بن الفتح قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسين ابن أخي ميمي قال‏:‏ حدثنا ابن صفوان قال‏:‏ حدثنا أبو بكر القرشي قال‏:‏ حدثنا أبي قال‏:‏ أخبرني سليمان بن إدريس المنقري قال‏:‏ اشتهى الحسن أخي سمكًا فلما أتي به ضرب بيده إلى سرة السمكة فاضطربت يده فأمر به فرفع ولم يأكل شيئًا فقيل له في ذلك فقال‏:‏ إني ذكرت لما ضربت بيدي إلى بطنها أن أول ماينتن من الإنسان بطنه فلم أقدر أن أذوقه ‏.‏

أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال‏:‏ اخبرنا محمد بن هبة الله الطبري قال‏:‏ أخبرنا علي بن محمد بن بشران قال‏:‏ أخبرنا ابن صفوان قال‏:‏ حدثنا أبو بكر بن عبيد قال‏:‏ حدثني محمد ابن الحسين قال‏:‏ حدثني عبد الله بن صالح قال حدثني خلف بن تميم أن حسن بن صالح كان يصلي إلى السحر ثم يجلس يبكي في مصلأ ويجلس علي فيبكي في حجرته قال‏:‏ وكانت أمهم تبكي الليل و النهار قال‏:‏ فماتت ثم مات علي ثم مات حسن فرأيت حسنًا في منامي فقلت‏:‏ ما فعلت الوالدة قال‏:‏ بدلت بطول ذلك البكاء سرور الأبد قلت‏:‏ وعلي قال‏:‏ وعلي على خير ‏.‏

قلت‏:‏ فأنت فمضى وهو يقول‏:‏ وهل يتكل إلا على عفوه ‏.‏

توفي الحسن في هذه السنة ‏.‏

خالد بن حميد بن خالد أبو حميد النهري ‏.‏

روى عن قيس بن الحجاج وحميد بن هاني حدث عنه ابن وهب وغيره وآخر من حدث عنه بمصر روح بن صلاح المرادي وتوفي بالإسكندرية في هذه السنة ‏.‏

عبد الله بن عبد الله بن أويس بن مالك بن أبي عامر كان زوج أخت مالك بن أنس وابن بن عمه لحًا قدم بغداد وحدث بها عن الزهري ومحمد بن المنكدر وأبي الزناد وهشام بن عروة ‏.‏

روى عنه ابناه أبو بكر وإسماعيل وشبابة والقعبني وثقه يحيى في رواية وضعفه في أخرى وقال أحمد‏:‏ هو صالح ‏.‏

وقال النسائي‏:‏ ليس بالقوي ‏.‏

قال أبو نعيم‏:‏ قدم علينا وإذا معه جوار يضربن يعني القيان قال‏:‏ فقلت لا والله لا أسمع منه شيئًا

عثمان بن طلحة بن عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي ‏.‏

من أهل مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاه بعض أمراء المدينة القضاء على إكراه فلم يأخذ عليه رزقًا وكان محمود السيرة جميل الذكر ‏.‏

روى عن محمد بن المنكدر فلما قدم المهدي المدنية استعفاه من القضاء وجرت له في ذلك قصة قد ذكرناها في سنة ستين فأعفاه ‏.‏

عقبة بن أبي الصهباء أبو خريم مولى باهلة البصري سمع سالم بن عبد الله وبكر المزني والحسن وابن سيرين وروى عنه يزيد بن هارون وكن ثقة انتقل عن البصرة فنزل المدائن ثم دخل إلى مدينة السلام بغداد ‏.‏

وتوفي في هذه السنة ببغداد ‏.‏

محمد المهدي بن عبد الله المنصور رأى منامًا قبل وفاته يدل عليها ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسين بن علي بن محمد بن المعدل قال‏:‏ أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق قال‏:‏ حدثنا محمد بن أحمد بن البراء قال‏:‏ قال لي علي بن يقطين‏:‏ خرجنا مع المهدي فقال لنا يومًا‏:‏ إني داخل البهو فنائم فيه فلا يوقظني أحد حتى أستيقظ قال‏:‏ فنام ونمنا فما أنبهنا إلا بكاؤه فقمنا فزعين فقلنا‏:‏ ما شأنك يا أمير المؤمنين فقال‏:‏ أتاني الساعة آت في منامي شيخ والله لو كان في مائة ألف شيخ لعرفته فأخذ بعضادتي الباب وهو يقول‏:‏ كأني بهذا القصر قد باد أهله وأوحش منه ركنه ومنازله وصار عميد القوم من بعد بهجة وملك إلى قبر عليه جنادله ولم يبق إلا ذكره وحديثه تنادي عليه بالعويل حلائله واختلفوا في سبب وفاته على قولين‏:‏ أحدهما‏:‏ رواه واضح قهرمان المهدي قال‏:‏ خرج المهدي يتصيد بقرية من قرى ماسبذان فلم أزل معه إلى بعد العصر وانصرفت إلى مضربي وكان بعيدًا من مضربه فلما كان وقت السحر ركبت لإقامة وظائف ولقيني أسود عريان فدنى مني ثم قال‏:‏ أبا سهل أعظم الله أجرك في مولاك أمير المؤمنين ‏.‏

فدخلت فإذا به مسجى في قبة ‏.‏

فقلت‏:‏ فارقتكم بعد صلاة العصر وهو أسر ما كان حالًا وأصحه بدنًا فما كان الخبر فقالوا اطردت الكلاب ظبيًا فما زال يتبعها فاقتحم الظبي باب خربة فاقتحمت الكلاب خلفه واقتحم الفرس خلف الكلاب فدق ظهره باب الخربة فمات من ساعته ‏.‏

القول الثاني‏:‏ ذكره أبو نعيم المروزي قال‏:‏ بعثت جارية من جواري المهدي إلى ضرة لها لبنًا فيه سم وهو قاعد في البستان بعد خروجه من عيساباد فدعا به فأكل ففرقت الجارية أن تقول إنه مسموم ‏.‏

وروى أحمد بن محمد الرازي‏:‏ أن المهدي كان جالسًا في علية القصر بما سبذان وكانت جاريته حسنة قد عمدت إلى كمثرى فجعلته في صينية وسمت واحدة هي أحسنه وأنضجه وردت القمع عليها ووضعتها في أعلى الصينية وأرسلت بذلك مع وصيفة لها إلى جارية المهدي وكانت حظية عنده تريد قتلها فمرت الوصيفة بالصينية فرآها المهدي فدعاها فمد يده فأخذ الكمثرية التي في أعلى الصينية وهي المسمومة فأكلها فصرخ‏:‏ جوفي ‏.‏

فأخبرت حسنة الخبر فجاءت تلطم وجهها وتبكي وتقول‏:‏ أردت أن أنفرد بك فقتلك فهلك من يومه فجعلت حسنة على قبتها المسوح فقال أبو العتاهية في ذلك‏:‏ رحنا في الوشي وأصبح نا عليهن المسوح كل نطاح من الده ر له يوم نطوح لست بالباقي ولو عمرت ما عمر النوح توفي المهدي بقرية يقال لها الرذ من ماسبذان في ليلة الخميس لثمان بقين من المحرم سنة تسع وستين وهو ابن ثلاث وأربعين سنة ولم توجد له جنازة يحمل عليها فحمل على باب وصلى عليه ابنه هارون ودفن تحت جوزة كان يجلس تحتها في المكان الذي قبض فيه وكانت خلافته عشر سنين وشهر ونصف شهر وقيل‏:‏ عشر سنين وتسعة وأربعين يومًا ‏.‏

نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم القارئ المديني ويكنى أبا نعيم ‏.‏

وقيل‏:‏ أبا رويم وقيل‏:‏ أبا عبد الرحمن وقيل‏:‏ أبا الحسن وهو مولى جعونة بن شعوب الليثي حليف حمزة بن عبد المطلب وأصله من أصبهان ‏.‏

سمع من نافع مولى عمر وعامر بن عبد الله بن الزبير ‏.‏

قال الليث بن سعد‏:‏ قدمت المدينة سنة عشر ومائة فوجدت نافعًا إمام الناس في القراءة لا ينازع‏.‏

توفي في هذه السنة وقيل‏:‏ سنة تسع وخمسين وأقرأ من مائة سنة‏.‏

 ثم دخلت سنة سبعين ومائة

فمن الحوادث فيها وفاة الهادي واستخلاف أخيه الرشيد ‏.‏

 باب ذكر خلافة الرشيد

واسمه هارون بن محمد المهدي ويكنى أبا جعفر وأمه الخيرزان ولد بالري لثلاث بقين من ذي الحجة سنة تسع وأربعين في خلافة المنصور ‏.‏

وقيل‏:‏ ولد في يوم من المحرم سنة خمسين ومائة ‏.‏

وكان الفضل بن يحيى البرمكي ولد قبله بسبعة أيام فجعلت أم الفضل ظئرًا له وهي زينب بنت منير فأرضعت الرشيد بلبان الفضل وأرضعت الخيرزان الفضل بلبان الرشيد ‏.‏

وكان الرشيد أبيض طويلًا سمينًا جميلًا وسيمًا جعدًا ولم يمت وخطه الشيب ‏.‏

قال الصولي‏:‏ وكان به حول في فرد عين لا يتبين إلا لمن تأمله ‏.‏

وسمع الحديث من مالك بن أنس وإبراهيم بن سعد الزهري وأكثر حديثه عن آبائه ‏.‏

روى عنه‏:‏ أبو يوسف القاضي والشافعي وكان يحب الحديث وأهله ‏.‏

 ذكر أزواجه

تزوج زبيدة وهي أم جعفر بنت جعفر بن أبي جعفر المنصور وأعرس بها في سنة خمس وستين في خلافة المهدي ببغداد فولدت الأمين ‏.‏

وتزوج أمة العزيز أم ولد موسى بعد موسى ‏.‏

وتزوج العباسة بنت سليمان بن المنصور وأعرس بها في ذي الحجة سنة سبع وثمانين ‏.‏

وتزوج أم محمد بنت صالح وأعرس بها في الرقة في ذي الحجة أيضًا وكانت أملكت من إبراهيم بن المهدي ثم خلعت منه فتزوجها الرشيد فحملتا جميعًا إليه ‏.‏

وتزوج عزيزة بنت الغطريف وكانت قبله عند سليمان بن أبي جعفر فطلقها فخلف عليها الرشيد‏.‏

وتزوج الجرشية العثمانية من أولاد عثمان بن عفان وسميت الجرشية لأنها ولدت بجرش باليمن فمات الرشيد عن أربع مهائر أم جعفر وأم محمد وعباسة والعثمانية ‏.‏

 ذكر أولاده

محمد الأكبر وهو الأمين أمه زبيدة وعبد الله المأمون وأمه أم ولد يقال لها مراجل والقاسم وأمه أم ولد يقال لها قصف ومحمد المعتصم وأمه أم ولد يقال لها ماردة وعلي أمه أمة العزيز وصالح أمه أم ولد يقال لها رئم ومحمد أبو عيسى أمه أم ولد يقال لها عرابة ومحمد أبو يعقوب أمه أم ولد يقال لها شذرة ومحمد أبو العباس أمه أم ولد يقال لها خبث ومحمد أبو سليمان أمه أم ولد يقال لها رواح ومحمد أبو علي أمه أم ولد يقال لها دواج وأبو محمد وهو اسمه ولقبه كريب أمه أم ولد يقال لها شجر ومحمد أبو أحمد أمه أم ولد يقال لها كتمان أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا أبو العلاء الواصطي قال‏:‏ قرأنا على الحسين بن هارون الضبي عن أبي العباس بن سعيد قال‏:‏ أخبرنا محمد بن أحمد بن أبي عرابة قال‏:‏ أخبرنا محمد بن حبيب عن هشام بن محمد وغيره من أصحابه قال‏:‏ أبو العباس وأبو أحمد وأبو إسحاق وأبو عيسى وأبو يعقوب وأبو أيوب بنو هارون الرشيد وكل اسمه محمد وكان للرشيد من الإناث‏:‏ سكينة وهي أخت القاسم من أمه وأم حبيب وهي أخت المعتصم لأمه ‏.‏

وأم الحسن وهي أخت أبي عيسى لأمه وخديجة وهي أخت كريب لأمه وأم محمد وهي حمدونة وفاطمة وأمها غصص وأم سلمة وأمها رحيق وأم القاسم وأمها حزق ورملة أم جعفر وأمها حلي وأم علي وأمها أنيق والغالية وأمها سمندل وريطة وأمها زينة ‏.‏

 ذكر بيعة الرشيد

بويع للرشيد بالخلافة في الليلة التي توفي فيها أخوه الهادي أخرجه هرثمة بن أعين ليلًا فأقعده للمبايعة وكانت تلك الليلة ليلة السبت لأربع عشر بقيت من شهر ربيع الأول سنة سبعين ‏.‏

وفيها مات الهادي واستخلف الرشيد وولد المأمون فلما جلس للخلافة سلم عليه بالخلافة عمه سليمان بن المنصور وعم أبيه العباس بن محمد وعم جده المنصور بن عبد الصمد بن علي واستدعى الرشيد يحيى بن خالد بن برمك وكان قد حبسه الهادي لميله إلى هارون وعزم على قتله وقتل هارون فحضر يحيى فقلده الوزارة وكانت الخيزران هي الناظرة في الأمور فكان يحيى يعرض عليها ويصدر عن رأيها وكان الرشيد يقول ليحيى‏:‏ يا أبي ‏.‏

وذكر الصولي‏:‏ إنه كان يحيى يساير الرشيد يومًا فقام رجل فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين عطبت دابتي فقال‏:‏ يعطى خمسمائة درهم فغمزه يحيى فلما نزل قال‏:‏ يا أبة أومأت إلي بشيء وقت ما أمرت بالدراهم فما هو فقال‏:‏ مثلك لا يجرى هذا المقدار على لسانه إنما يذكر مثلك خمسة آلاف ألف عشرة آلاف ألف قال‏:‏ فإذا سئلت مثل هذا كيف أقول قال‏:‏ تقول‏:‏ نشتري له دابة يفعل به فعل نظرائه ‏.‏

ولما بويع للرشيد خرج فوصل إلى كرسي الجسر فدعا الغواصين فقال لهم‏:‏ كان المهدي وهب لي خاتمًا شراؤه مائة ألف دينار فدخلت على أخي وهو في يدي فلما انصرفت لحقني سليمان الأسود فقال‏:‏ يأمرك أمير المؤمنين أن تعطيني الخاتم فرميت به في هذا الموضع ‏.‏

فغاصوا فأخرجوه فسر به غاية السرور ‏.‏

وكان الهادي قد خلع الرشيد وبايع لابنه جعفر وكان خزيمة بن حازم في خمسة آلاف من الموالي عليهم السلاح تلك الليلة فهجم فأخذ جعفر من فراشه فقال‏:‏ والله لأضربن عنقك أو تخلعها فلما كان من غد ركب الناس إلى باب جعفر فأتى به خزيمة فأقامه على باب الدار في العلو والأبواب مغلقة فنادى جعفر‏:‏ يا معشر الناس من كان لي في عنقه بيعة فقد أحللته منها والخلافة لعمي هارون لا حق لي فيها ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرني الأزهري قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن إبراهيم قال‏:‏ أخبرنا إبراهيم بن محمد بن عرفة قال‏:‏ أخبرني أبو العباس المنصوري عن عمرو بن بحر قال‏:‏ أجمع الرشيد ما لم يجمع لأحد من جد وهزل‏:‏ وزراؤه البرامكة لم ير مثلهم سخاء وسرورًا وقاضيه أبو يوسف وشاعره مروان بن أبي حفصة كان في عصره كجرير في عصره ونديمه عم أبيه العباس بن محمد صاحب العباسية وحاجبه الفضل بن الربيع أتيه الناس وأشدهم تعاظمًا ومغنيه إبراهيم الموصلي أوحد عصره وضاربه زلزل وزامره برصوما وزوجته أم جعفر أراغب الناس في خير وأسرعهم إلى كل بر ومعروف ومن كبار قواده المعلى ولي البصرة وفارس والأهواز واليمامة والبحرين وغير ذلك وإليه ينسب نهر معلى ‏.‏

 ذكر طرف من أخباره وسيرته

كان الرشيد يحب العلم ويؤثره ويستفيده فنال علمًا كثيرًا وكانت له فطنة قوية ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا أبو علي محمد بن الحسين الجازري قال‏:‏ حدثنا المعافى قال‏:‏ حدثنا ابن دريد قال‏:‏ حدثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال‏:‏ دخلت على هارون الرشيد ومجلسه حافل فقال‏:‏ يا أصمعي ما أغفلك عنا وأجفاك لحضرتنا فقلت‏:‏ والله يا أمير المؤمنين ما ألاقتني بلاد بعدك حتى أتيتك ‏.‏

فأمرني بالجلوس فجلست فلما تفرق الناس إلا أقلهم نهضت للقيام فأشار إلي أن اجلس فجلست حتى خلى المجلس فلم يبق غيري وغيره ومن بين يديه من الغلمان فقال لي‏:‏ يا أبا سعيد‏:‏ ما ألاقتني قلت‏:‏ ما امسكتني وأنشدته‏:‏ كفاك كف لا تليق درهمًا جودًا وأخرى تعط بالسيف الدما فقال لي‏:‏ أحسنت وهكذا فكن وقرنا في الملأ وعلمنا في الخلاء فأمر لي بخمسة آلاف درهم ‏.‏

وفي رواية دينار ‏.‏

قال الأصمعي‏:‏ وتأخرت عن الرشيد ثم جئته فقال‏:‏ كيف كنت يا أصمعي قلت‏:‏ بت والله بليلة النابغة فقال‏:‏ إنا لله هو والله قوله‏:‏ فعجبت كأني ساورتني ضئيلة من الرقش في أنيابها السم ناقع فعجبت من ذكائه وفطنته لما قصدت ‏.‏

وقال أبو سعيد بن مسلم‏:‏ كان فهم الرشيد فوق فهم العلماء ‏.‏

أنشده العماني في وصفة فرس بيت‏:‏

كأن أذنيه إذا تشرفا قادمة أو قلما محرفا

فقال الرشيد‏:‏ دع كأن وقل‏:‏ تخال أذنيه وكان الرشيد يتواضع لأهل العلم والدين ‏.‏

أنبأنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا أبو العلاء الواسطي قال‏:‏ أخبرنا عبد الله بن محمد المزني قال‏:‏ أخبرنا أبو طاهر عبد الله بن محمد بن مرة قال‏:‏ حدثنا حسن الأزدي قال‏:‏ سمعت علي المديني يقول‏:‏ سمعت أيا معاوية يقول‏:‏ أكلت مع الرشيد طعامًا يومًا من الأيام فسب على يدي رجل لا اعرفه فقال هارون‏:‏ يا أبا معاوية تدري من يصب عليك قلت‏:‏ لا قال‏:‏ أنا ت‏:‏ أنت يا أمير المؤمنين قال‏:‏ نعم إجلالًا للعلم ‏.‏

أخبرنا يحيى بن علي المدبر قال‏:‏ أخبرنا أبو جعفر بن ابن المسلمة قال‏:‏ أخبرنا إسماعيل بن سعيد بن سويد قال‏:‏ حدثنا أبو علي الحسين بن القاسم الكوكبي قال‏:‏ حدثنا إبراهيم بن الجنيد قال‏:‏ سمعت علي بن عبد الله يعني ابن المديني قال‏:‏ قال أبو معاوية الضرير‏:‏ حدثت الرشيد بهذا الحديث يعني قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ ودتت إني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ‏"‏ فبكى هارون حتى انتحب ثم قال‏:‏ يا أبا معاوية ترى لي أن أغزو فقلت‏:‏ يا أمير المؤمنين مكانك في الإسلام أكبر ومقامك أعظم ولكن ترسل الجيوش قال أبو معاوية‏:‏ وما ذكرت النبي صلى الله عليه وسلم على سيدي ‏.‏

وكان الرشيد معظمًا للسنة شديد النفور من البدع ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا محمد بن الحسين بن الفضل العطار قال‏:‏ أخبرنا عبد الله بن جعفر درستويه قال‏:‏ حدثنا يعقوب بن سفيان قال‏:‏ سمعت علي بن المديني يقول‏:‏ قال محمد بن حازم‏:‏ كنت أقرأ حديث الأعمش عن أبي صالح على أمير المؤمنين هارون فكلما قلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ صلى الله على سيدي ومولاي حتى ذكرت التقاء آدم وموسى فقال عمه‏:‏ يا محمد أين التقيا فغضب هارون الرشيد وقال‏:‏ من طرح إليك هذا وأمر به فحبس فدخلت إليه في حبسه فقال‏:‏ يا محمد والله ما هو إلا شيئًا خطر ببالي وحلف لي بالعتق وصدقة المال وغير ذلك من معضلات الأيمان ما سمعته من أحد ولا يجري ولا جرى بيني وبين أحد فيه كلام ‏.‏

قال‏:‏ فكلمته فيه فأمر به فأطلق من الحبس وقال لي‏:‏ يا محمد ويحك إنما توهمت أنه طرح إليه بعض الملحدين بهذا الكلام فأردت أن يدلني عليهم فأستفتحهم وإلا فأنا على يقين أن القرشي لا يتزندق ‏.‏

وكان الرشيد إذا عرف الصواب رجع إليه سريعًا ‏.‏

أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا أبو عمر الحسن بن عثمان الواعظ قال‏:‏ حدثنا جعفر بن محمد بن أحمد الواسطي قال‏:‏ حدثنا أبو الطيب النعمان بن أحمد القاضي قال‏:‏ حدثنا أحمد بن زكريا بن سفيان قال سمعت أصحابنا يقولون‏:‏ قال أبو معاوية‏:‏ دخلت على هارون الرشيد فقال لي‏:‏ يا أبا معاوية لهممت أنه من تثبت خلافته علي فعلت به وفعلت به فسكت فقال لي‏:‏ تكلم تكلم ‏.‏

فقلت‏:‏ إن أذنت لي تكلمت ‏.‏

فقال‏:‏ تكلم قلت‏:‏ يا أمير المؤمنين قالت تيم منا خليفة رسول الله وقالت عدي‏:‏ منا خليفة رسول الله وقالت بنو أمية منا خليفة الخلفاء فأين حظكم يا بني هاشم من الخلافة والله ما حظكم فيها إلا علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال‏:‏ والله يا أب معاوية لا يبلغني أن أحدًا لم يثبت خلافة علي إلا فعلت به كذا وكذا ‏.‏

وكان الرشيد يستقبح المدح بالكذب ويذم المادح به ‏.‏

قال يومًا لبعض ولاته‏:‏ كيف تركت الناس فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين أحسنت فيهم السيرة وأنسيتهم سيرة العمرين ‏.‏

فغضب الرشيد واستشاط وقال‏:‏ ويلك يا ابن الفاعلة العمرين العمرين وأخذ سفرجلة فرماه بها فكادت تهلكه وأخرج من بين يديه ‏.‏

وكان الرشيد يكثر الحج والغزو واتخذ قلنسوة مكتوب عليها‏:‏ غازٍ حاجٍ ‏.‏

قال ابن البراء‏:‏ كان يحج سنة وغزو سنة حج بالناس ست مرات فقال داود بن رزين‏:‏ بهارون لاح البدر في كل بلدة وقام به عدل سيرته النهج إمام بذات الله أصبح شغله وأكثر ما يعنى به الغزو والحج تضيق عيون الناس عن نور وجهه إذا ما بدا للناس منظره البلج وإن أمين الله هارون بالندى ينيل الذي يرجوه أضعاف ما يرجو ‏.‏

وقال أبو المعلى الكلابي‏:‏ ففي أرض العدو علي طمر وفي أرض البنية فوق كور وألح عليه في بعض غزواته الثلج فقال بعض أصحابه‏:‏ أما ترى يا أمير المؤمنين ما نحن فيه من الجهد والرعية وادعة فقال له‏:‏ أسكت على الرعية المنام وعلينا القيام ولا بد للراعي من حراسته رعيته ‏.‏

فقال بعض الشعراء في ذلك‏:‏ غضبت لغضبتك القواطع والقنا لما نهضت لنصرة الإسلام ناموا إلى كنف بعدلك واسع وسهرت تحرس غفلة النوام وكان الرشيد إذا حج حج معه مائة من الفقهاء وأبنائهم وإذا لم يحج أحج ثلاثماية رجل بالنفقة التامة والكسوة الطاهرة وكان يصلي كل يوم مائة ركعة إلى أن فارق الدنيا إلا أن تعرض له علة وكان يتصدق من صلب ماله في كل يوم ألف درهم بعد زكاتها وكان يقتفي أخلاق المنصور ويطلب العمل بها إلا في بذل المال وكان لا يضيع عنده إحسان محسن ولا يؤخر ذلك وكان يميل إلى أهل الأدب والفقه ويكره المراء في الدين ويحب الشعر والشعراء والمدح ولا سيما من شاعر فصيح فدخل عليه يومًا مروان بن أبي حفصة فأنشده من قصيدة له‏:‏ وسدت بهارون الثغور فأحكمت به من أمور المسلمين المرائر وما انفك معقودًا بنصرٍ لواؤه له عسكر عنه تشظى العساكر إلى وجهه تسمو العيون وما سمت إلى مثل هارون العيون النواظر ترى حوله الأملاك من آل هاشمٍ كما حفت البدر النجوم الزواهر إذا فقد الناس الغمام تتابعت عليهم بكفيك الغيوث المواطر على ثقة ألقت إليك أمورها قريش كما ألقي عصاه المسافر فطورًا يهزون القواطع والقنا وطورًا بأيديهم تهز المخاصر ليهنكم الملك الذي أصبحت بكم أسرته مختالة والمنابر أبوك ولي المصطفى دون هاشمٍ وإذا رغمت من حاسديك المناخر فأعطاه عشرة آلاف دينار وكساه وأمر له بعشرة من رقيق الروم وحمله على برذون ‏.‏

وللرشيد أشعار حسان منها‏:‏ ما أخبرنا به عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا أبو نعيم الحافظ قال‏:‏ أخبرنا سليمان بن أحمد للطبراني قال‏:‏ أخبرنا محمد بن موسى بن حسان قال‏:‏ حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن صالح قال‏:‏ حدثنا عمي علي بن صالح قال‏:‏ قال الرشيد في ثلاث جوارٍ‏:‏

مالي تطاوعني البرية كلها ** وأطيعهن وهن في عصياني

ما ذاك إلا أن سلطان الهوى ** وبه قوين أعز من سلطاني

أخبرنا المبارك بن علي الصيرفي قال‏:‏ أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله الخبرية قالت‏:‏ أخبرنا علي بن الحسين بن الفضل قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن محمد بن خالد الكاتب قال‏:‏ أخبرنا علي بن عبد الله بن المغيرة الجوهري قال‏:‏ حدثنا أحمد بن سعيد الدمشقي قال‏:‏ حدثني الزبير بن بكار قال‏:‏ حدثني علي بن صالح قال‏:‏ كان معاوية الرشيد ابن أبي مريم المديني وكان مضاحكًا محدثًا فكهًا وكان الرشيد لا يصبر عن محادثته وكان قد جمع إلى ذلك المعرفة بأخبار العرب من أهل الحجاز ومكائد المجان فبلغ من خصوصيته به أنه أنزله في قصره وخلطه ببطانته وغلمانه فجاء ذات ليلة وهو نائم وقد طلع الفجر فكشف اللحاف عن ظهره ثم قال له‏:‏ كيف أصبحت فقال‏:‏ يا هذا ما أصبحت بعد مر إلى عملك قال‏:‏ ويلك قم إلى الصلاة قال‏:‏ هذا وقت صلاةٍ أبي الجارود وأنا من أصحاب أبي يوسف القاضي فقام ومضى وتركه نائمًا وقام الرشيد إلى الصلاة فجاء غلامه فقال‏:‏ أمير المؤمنين قد قام إلى الصلاة فألقى عليه ثيابه ومضى نحوه فإذا هو يقرأ في صلاة الصبح ‏{‏وما لي لا أعبد الذي فطرني‏}‏ فقال له ابن أبي مريم‏:‏ لا أدري والله فما تمالك أن ضحك في صلاته ثم التفت كالمغضب فقال‏:‏ يا ابن أبي مريم في الصلاة أيضًا قال‏:‏ يا هذا ما صنعت قال‏:‏ قطعت علي الصلاة ‏.‏

قال‏:‏ والله ما فعلت إنماسمعت منك كلامًا غمني حين قلت ‏{‏وما لي لا أعبد الذي فطرني‏}‏ فقلت‏:‏ لا أدري ‏.‏

فضحك وقال‏:‏ إياك والقرآن وكان الرشيد معاوية حبه اللهو كثير البكاء من خشية الله محبًا للمواعظ وقد وعظه الفضيل بن عياض وابن السماك والعمري والبهلول وغيرهم وكان يتقبل الموعظة ويكثر البكاء ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا محمد بن أبي علي الأصبهاني قال‏:‏ حدثنا محمد بن أحمد بن إسحاق الشاهد قال‏:‏ حدثنا ابن منيع فقال حدثنا يحيى بن أيوب الواعظ أو قال‏:‏ العابد قال‏:‏ سمعت منصور بن عمار يقول‏:‏ ما رأيت أغزر دمعًا عند الذكر من ثلاثة‏:‏ فضيل بن عياض وأبي عبد الرحمن الزاهد وهارون الرشيد وأتاه يومًا رجل من الزهاد فقال‏:‏ يا هارون اتق الله فأخذه فخلا به وقال‏:‏ يا هذا أنصفني أنا شر أم فرعون قال‏:‏ بل فرعون قال‏:‏ فأنت خير أم موسى قال‏:‏ بل موسى قال‏:‏ أفما تعلم أن الله تعالى لما بعثه وأخاه إليه قال‏:‏ ‏{‏فقولا له قولًا لينا‏}‏ وقد جبهتني بأغلظ الألفاظ فلا بأدب الله تأدبت ولا بأخلاق الصالحين أخذت ‏.‏

قال‏:‏ أخطأت وأنا استغفر الله فقال‏:‏ غفر الله لك وأمر له بعشرين ألف درهم فأبى أن يأخذها ‏.‏

فهذه الأخلاق الطيبة ‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ ولد المأمون في ربيع الأول وولد الأمين شوال ‏.‏

وفيها‏:‏ عزل الرشيد عمر بن عبد العزيز العمري عن مدينة الرسول عليه السلام وولاها إسحاق بن سليمان بن علي ‏.‏

وفيها‏:‏ عزل الرشيد الثغور كلها عن الجزيرة وقنسرين وجعل لها حيزًا واحدًا وسميت العواصم‏.‏

وفيها‏:‏ عمرت طرسوس على يدي أبي سليم فخرج الخادم التركي ونزلها الناس ‏.‏

أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ قال‏:‏ أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال‏:‏ أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي قال‏:‏ أنبأنا أبو الحسين بن عبد الله بن إبراهيم الزينبي قال‏:‏ حدثنا محمد بن خلف بن المرزبان قال‏:‏ حدثني أحمد بن زهير قال‏:‏ حدثني علي بن البربري قال‏:‏ حدثني أبي وكان أول من سكن طرسوس حين بناها أبو سليم وكان شيخًا قديمًا قال‏:‏ كان يغازينا من الشام ثلاثة أخوة فرسان شجعان وكانوا لا يخالطون العسكر وكانوا يسيرون وحدهم وينزلون كذلك فإذا رأوا العدو لم يقاتلوا ما كفوا فغزوا مرة فلقيهم الطاغية في جمع كثير فقاتلوا المسلمين فقتلوا وأسروا فقال بعضهم لبعض‏:‏ قد ترون ما نزل بالمسلمين وقد وجب علينا أن نبذل أنفسنا ونقاتل فتقدموا وقالوا لمن بقي من المسلمين‏:‏ كونوا وراء ظهورنا وخلوا بيننا وبين القتال نكفيكم إن شاء الله تعالى ‏.‏

فقاتلوا فقهروا الروم فقال ملك الروم لمن معه من البطارقة‏:‏ من جاءني برجل من هؤلاء قدمته وبطرقته ‏.‏

فألقت الروم أنفسها عليهم فأخذوهم أسرى لم يصب رجل منهم كلم فقال ملك الروم‏:‏ لا غنيمة ولا فتح أعظم من أخذ هؤلاء ‏.‏

فرحل بهم حتى نزل بهم القسطنطينية فعرض عليهم النصرانية وقال‏:‏ إني أجعل فيكم الملك وأزواجكم بناتي ‏.‏

فأبوا عليه ونادوا‏:‏ يا محمداه فقال الملك‏:‏ ما يقولون قالوا‏:‏ يدعون نبيهم فقال لهم‏:‏ إن أنتم أجبتموني وإلا أغليت قدورًا ثلاثة فيها الزيت حتى إذا بلغت أناها ألقيت كل واحد منهم في قدر‏.‏

فابوا فأمر بثلاث قدور فنصبت ثم صب فيها الزيت ثم أمر أن يوقد تحتها ثلاثة أيام يعرضون في كل يوم على تلك القدور ويدعوهم إلى النصرانية وغلى أن يزوجهم بناته ويجعل الملك فيهم فيأبون أن يجيبوه وأقاموا على الإسلام فنادى الأكبر ودعاه إلى دينه فأبى فناشده وقال‏:‏ إني ملقيك في هذه القدر ‏.‏

فأبى فألقاه في قدر منها فما هو إلا أن سقط فيها فارتفعت عظامه تلوح ثم فعل بالثاني مثل ذلك فلما رأى صبرهم على ما فعل بهم وحفظهم لدينهم ندم الملك وقال‏:‏ فعلت هذا بقوم لم أر أشجع منهم فأمر بالصغير فأدني منه فجعل يفتنه عن دينه بكل أمر فيأبى فقام إليه علج من أعلاجه فقال‏:‏ أيها الملك ما تجعل لي إن فتنته قال‏:‏ أبطرقك قال‏:‏ قد رضيت قال‏:‏ فبماذا تفتنه قال‏:‏ قد علم الملك أن العرب أسرع شيء إلى النساء وقد علمت الروم أنه ليس فيهم امرأة أجمل من ابنتي فلانة فادفعه إلى حتى أخليه معها فإنها ستفتنه قال‏:‏ فضرب الملك بينه وبين العلج أجلًا أربعين يومًا ودفعه إليه فجاء به فأدخله معاوية ابنته وأخبرها بالذي ضمن للملك وبالأجل الذي ضربه بينه وبينه فقالت له‏:‏ دعه فقد كفيتك أمره فأقام معها نهاره صائمًا وليله قائمًا لا يفتر من العمل حتى مضى أكبر الأجل فسأل الملك العلج‏:‏ ما حال الرجل فرجع إلى ابنته فقال لها‏:‏ ما صنعت قالت‏:‏ ما صنعت شيئًا هذا رجل فقد إخوته في هذه البلدة فأخاف أن يكون امتناعه من أجل أخويه كلما رأى آثارهما ولكن استزد الملك في الأجل وانقلني وإياه إلى بلد غير هذا البلد الذي قتل فيه أخواه فسأل العلج الملك فزاده في الأجل أيامًا وأذن له في خروجهما فاخرجهما إلى قرية أخرى فمكث على ذلك أيامًا صائم النهار قائم بالليل حتى إذا بقي من الأجل قالت له الجارية ليلة من الليالي‏:‏ يا هذا إني أراك تقدس ربًا عظيمًا وإني قد دخلت معك في دينك وتركت دين آبائي فلم يثق بذلك منها حتى أعادت عليه مرارًا فقال لها‏:‏ فكيف الحيلة في الهرب والنجاة مما نحن فيه فقالت له‏:‏ أنا أحتال لك وجاءته بدواب وقالت له قم‏:‏ بنا تهرب إلى بلادك فركبا فكانا يسيران الليل ويكمنان النهار وطلبًا فخفيا فبينما هما يسيران ذات ليلة سمع وقع حوافر خيل فقالت له الجارية‏:‏ أيها الرجل ادع ربك الذي صدقته وآمنت به أن يخلصنا من عدونا فإذا هو بأخويه ومعهما ملائكة رسل إليه فسلم عليهما وسألهما عن حالهما فقالا له‏:‏ ما كانت إلا لاغطسة التي رأيت حتى خرجنا في الفردوس وإن الله أرسلنا إليك لنشهد تزويجك بهذه الفتاة ‏.‏

فزوجوه إياها ورجعوا وخرج إلى بلاد الشام فأقام معها وكانا مشهورين بذلك معروفين بالشام في الزمن الأول ‏.‏

وقد قيل فيهما من الشعر محمد أنسيته غير هذا البيت‏:‏ ستعطي الصادقين بفضل صدق نجاة في الحياة وفي الممات وفي هذه السنة‏:‏ حج بالناس الرشيد من مدينة السلام فأعطى أهل الحرمين عطاء كثيرًا وقسم مالًا جزيلًا ‏.‏

وغزا الصائفة سليمان بن عبد الله الركابي ‏.‏

وكان العامل على مكة والطائف عبد الله بن قثم وعلى المدينة يقول‏:‏ بن سليمان الهاشمي وعلى الكوفة موسى بن عيسى وخليفته عليها ابنه العباس بن موسى وعلى البصرة والبحرين وعمان واليمامة وكور الأهواز وفارس محمد بن سليمان بن علي بن محمد بن عبد الله بن عباس ‏.‏

ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر جوهرة العابدة البرائية نزلت معاوية زوجها أبي عبد الله البرائي وكانت جارية لبعض الملوك فعتقت وتركت الدنيا وتزوجت أبا عبد الله وتعبدت معه وكانت تحرضه على العبادة وتوقظه من الليل وتقول‏:‏ يا أبا عبد الله كروان برفت معناه‏:‏ قد سارت القافلة ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله قال‏:‏ أخبرنا محمد بن أحمد بن يعقوب الوراق قال‏:‏ حدثنا أحمد بن محمد بن مسروق قال‏:‏ حدثنا مر بن الحسين البرجلاني قال‏:‏ حدثنا حكيم بن جعفر قال‏:‏ كنانأتي ابا عبد الله بن أبي جعفر الزاهد وكان يسكن براثًا وكانت له امرأة متعبدة يقال لها جوهرة وكان يجلس على جلة خوص بحرانية وجوهرة جالسة حذاءه على جلة أخرى فأتيناه يومًا وهو جالس على الأرض ليست الجلة تحته فقلنا له يا أبا عبد الله ما فعلت الجلة التي كنت تقعد عليها قال‏:‏ ارى جوهرة أيقظتني البارحة فقالت‏:‏ أليس يقال في الحديث ‏"‏ إن الأرض تقول لابن آدم تجعل بيني وبينك سترًا وأنت غدًا في بطني ‏"‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ نعم قالت‏:‏ هذه الجلال لا حاجة لنا فيها ‏.‏

فقمت والله فأخرجتها ‏.‏

وقد روينا عن أبي شعيب الزاهد البرائي أن جارية من بنات الكبار من أبناء الدنيا نظرت إلى زهده فتزوجت به وتركت الدنيا وجرت لها معه مثل هذه القصة في فرش من خوص ‏.‏

الربيع بن يونس بن محمد يونس بن أبي فروة واسم أبي فروة‏:‏ كيسان ‏.‏

مولى أبي جعفر المنصور وحاجبه ووزر له بعد أبي أيوب المرزباني ‏.‏

أنبأنا أبو بكر بن محمد بن الحسين الحاجي قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن أحمد بن سليمان الواسطي قال‏:‏ أخبرنا أبو أحمد الفرضي قال‏:‏ أخبرنا أبو عمر الزاهد قال‏:‏ أخبرنا ثعلب عن ابن شبيب عن الزبير قال‏:‏ حدثني عمرو بن عثمان قال‏:‏ دخل المنصور أمير المؤمنين قصرًا فرأى في جداره مكتوبًا‏:‏ ومالي لا أبكي بعين حزينة وقد قربت للظاعنين حمول وتحته مكتوب‏:‏ إيه إيه‏.‏ٍ

قال أبو عمر‏:‏ ويروى آه آه ‏.‏

فقال المنصور‏:‏ أي شيء آه آه فقال له الربيع وهو إذ ذاك تحت يدي أبي الخطيب الحاجب‏:‏ يا أمير المؤمنين إنه لما كتب البيت أحب أن يخبر أنه يبكي فقال قائله‏:‏ الله ما كان أظرفه فكان هذا أول ما ارتفع به الربيع ‏.‏

وقد روى أبو الفرج الأصبهاني‏:‏ أن الربيع قال‏:‏ كنت في خمسين وصيفًا أهدوا للمنصور ففرقنا في خدمته فصرت غلىياسر صاحب وضوئه فكنت أراه يعطيه الإبريق في المستراح ويقف مكانه لا يبرح ‏.‏

فقال لي يومًا كن في مكاني في هذا فكنت أعطيه الإبريق وأخرج مبادرًا فإذا سمعت حركته بادرت إليه فقال لي‏:‏ ما أخفك على قلبي يا غلام ثم دخل قصرًا فرأى حيطانه مملوءة من الشعر وإذا بخط منفرد فقرأه فإذا هو‏:‏ وكنت إذا ما اشتد شوقي رحلتها فسارت لمحزون طويل البلابل وتحته مكتوب‏:‏ آه آه فلم يدر ما هو وفطنت له فقلت‏:‏ يا أمير المؤمنين قال‏:‏ الشعر ثم تأوه فكتب تأوهه بنفسه فقال لي‏:‏ مالك قاتلك الله قد أعتقتك ووليتك مكان ياسر ‏.‏

قال أبو بكر الصولي‏:‏ لم يزل الربيع وزير المنصور حتى توفي المنصور بمكة فأخذ الربيع للمهدي البيعة فشكر المهدي له ذلك وجعله حاجبه ولم يستوزره ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن علي الصيمري قال‏:‏ حدثنا أحمد بن محمد بن علي الصيرفي قال‏:‏ حدثنا محمد بن عمر بن سالم الحافظ قال‏:‏ ذكروا أنه لم ير في الحجابة أعرق من الربيع حاجب أبي جعفر ومولاه ثم صار وزيره ثم حجب للمهدي ومن ولده الفضل بن الربيع حجب هارون ومحمد الأمين وابنه عباس بن الفثضل حجب الأمين فعباس حاجب ابن حاجب ‏.‏

وقد مدحهم أبو نواس في قوله‏:‏ سار الملوك ثلاثة ما منهم إن حصلوا إلا أعز قريع عباس عباس إذا اخترم الورى والفضل فضل والربيع ربيع توفي الربيع في هذه السنة ‏.‏

ذكر المعافى بن عمران أنه لم يكن أعقل منه ‏.‏

قال مؤلف الكتاب‏:‏ وليس هذا بفتح الموصلي المكني بأبي نصر فإن أبا نصر مات في سنة عشرين ومائتين وابن وشاح مات في سنة سبعين ومائة وأكثر الحكايات عن أبي نصر لا عن أبي محمد ‏.‏

موسى الهادي أمير المؤمنين ابن المهدي ‏.‏

اختلفوا في سبب موته قال بعضهم‏:‏ كان في جوفه قرحة وكانت سبب منيته ‏.‏

وحكى أبو جعفر ابن جرير الطبري عن جماعة أنهم قالوا‏:‏ إن الخيزران أمه أمرت بقتله فأنا أستبعد ذلك ‏.‏

قالوا‏:‏ وكانت في أول خلافته تفتات عليه في أمور وتسلك به مسلك أبيه في الاستبداد بالأمر والنهي وكانت إذا سألته حاجة قضاها فانثال الناس إليها فأرسل إليها‏:‏ لا تخرجي من خفر الكفاية إلى بذاذة التبذل فإنه ليس من قدر النساء الاعتراض في أمر الملك وعليك بصلاتك وسبحتك ولك بعد هذا طاعة مثلك فكلمته يومًا في أمر فاعتل بعلة فقالت‏:‏ لا بد من إجابتي فقال‏:‏ لا أفعل قالت‏:‏ فإني قد ضمنت قضاء هذه الحاجة قال‏:‏ والله لا أقضيها لك فقالت‏:‏ إذًا والله لا أسألك حاجة أبدًا ‏.‏

قال‏:‏ إذن والله لا أبالي وغضب فقامت وغضبة فقال‏:‏ مكانك حتى تستوعبي كلامي والله وإلا فأنا نفي من قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم لئن بلغني أنه وقف ببابك أحد لأقبضن ماله ولأضربن عنقه ما هذه المواكب التي تغدو وتورح إلى بابك‏!‏ أمالك مغزل يشغلك أو مصحف يذكرك أو يصونك‏!‏ إياك ثم إياكأن تفتحي بابك لملي أو ذمي ‏.‏

فانصرفت ما تعقل ‏.‏

قال ابن جرير‏:‏ وذكر قوم أن سبب موت الهادي‏:‏ أنه لما أخذ في خلع هارون والبيعة لابنه جعفر خافت الخيزران على هارون منه فدست من جواريها لما مرض من غمه وجلس على وجهه ووجهت إلى يحيى بن خالد‏:‏ إن الرجل قد توفي فاجدد في أمرك ‏.‏

وكان الهادي قد امر أن لا يسار قدام الرشيد بحربة فاجتنبه الناس وتركوه وطابت نفس هارون بالخلع لشدة خوفه على نفسه فخلعته جماعة من القواد وبايعوا لجعفر بن موسى ودخل هارون على موسى فقال له‏:‏ يا هارون كأني بك تحدث نفسك بتمام الؤيا فقال‏:‏ إني لأرجو أن يفضي الأمر إلي فأنصف وأصل فقال له‏:‏ ذلك الظن بك فأجلسه معه وأمر له بألف ألف دينار وكانت الرؤيا أن المهدي قال‏:‏ رأيت في منامي كأني دفعت إلى قضيبًا وإلى هارون قضيبًا فأورق قضيب موسى من أعلاه قليلًا وأورق في قضيب هارون من أوله إلى آخره فدعا المهدي الحكم بن موسى فقال له‏:‏ أعبر هذه الرؤيا فقال‏:‏ يملكان جميعًا فتقل أيام موسى ويبلغ هارون آخر مدى ما عاش خليفة وتكون أيامه أحسن أيام ‏.‏

فلم يلبث الهادي إلا يسيرًا حتى اعتل ثلاثة أيام ومات ‏.‏

وحكى أبو بكر الصولي‏:‏ أنه خرج على ظهر قدمه بثرة فصارت كاللوزة وافتصد ومات بعد ثلاث وجاءت أمه الخيزران وبه رمق فأخذت خاتمه من يده وقالت‏:‏ أخوك أحق بهذا الأمر منك‏.‏

وهو يرى ذلك ولا يقدر على حيلة ‏.‏

توفي الهادي بعيساباذ للنصف من ربيع الأول من هذه السنة وقيل‏:‏ لثلاث عشرة بقيت من ربيع وهو ابن ست وعشرين سنة وقيل ثلاث وعشرين وصلى عليه أخوه هارون ودفن في بستانه بعيساباذ وكانت خلافته سنة وشهرًا وثلاثة عشر يومًا وقيل‏:‏ سنة وثلاثة اشهر وقيل وشهرين وأحد عشر يومًا ‏.‏

معاوية بن عبيد الله بن يسار أبو عبيد الله الأشعري مولاهم من أهل طبرية ولد سنة مائة وكتب الحديث وسمع أبا إسحاق السبيعي ومنصور بن المعتمر ونحوهما وكان خيرًا فاضلاُ عالمًا وكان يكتب للمهدي قبل الخلافة رسمه له المنصور وكان جميع أمر المهدي إليه فلا يخالفه في شيء ثم وزر له ‏.‏

أنبأنا المحمدان ابن عبد الباقي وابن عبد الملك قالا‏:‏ أنبأنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري قال‏:‏ أنبأنا أبو الحسن الداقطني قال‏:‏ حدثني القاضي أبو الطاهر محمد بن أحمد بن عبيد الله بن نصر قال‏:‏ أخبرني أبو بكر محمد بن عبد الملك السراج قال‏:‏ حدثني عيسى بن أبي عباد قال‏:‏ حدثني عبيد الله بن سليمان بن أبي عبيد الله قال‏:‏ أبلى أبو عبيد الله مصليين وأسرع في الثالث أو ثلاثة وأسرع في الرابع موضع الركبتين والوجه واليدين لكثرة صلاته قال‏:‏ وكان له في كل يوم كر دقيق يتصدق به على المساكين وكان يلي ذلك مولى له فلما اشتد الغلاء أتاه فقال‏:‏ قد غلا السعر فلو نقصنا من هذا فقال‏:‏ أنت شيطان أو رسول الشيطان صيره كرين ‏.‏

فكان له في كل يوم بعد ذلك كران يخبزان للمساكين قال‏:‏ وأخبرت أن الجسور يوم مات امتلأت فلم يعبر عليها إلا من تبع جنازته من مواليه واليتامى والأرامل والمساكين ودفن في مقابر قريش ببغداد وصلى عليه علي بن المهدي ‏.‏

توفي في هذه السنة وقيل‏:‏ في السنة التي قبلها ‏.‏

 ثم دخلت سنة إحدى وسبعين ومائة

قدوم أبي العباس الفضل بن سليمان الطوسي مدينة السلام منصرفًا عن خراسان وكان خاتم الخلافة مع جعفر بن محمد الأشعث فلما تقدم أبو العباس أخذه الرشيد منه ودفعه إلى أبي العباس ثم لم يلبث أبو العباس غلا يسيرًا حتى توفي فدفع الخاتم إلى يحيى بن خالد ‏.‏

وفيها‏:‏ أمر الرشيد بإخرج من كان بمدينة السلام من الطالبين إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم خلا العباس بن الحسن بن عبد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب وكان أبو الحسن فيمن شخص ‏.‏

وفيها‏:‏ خرج الفضل بن سعيد الحروري فقتله أبو خالد المروروذي ‏.‏

وفيها‏:‏ خرجت الخيزران في شهر رمضان إلى مكة فأقامت بها إلى وقت الحج وحجت ‏.‏

وفيها‏:‏ حج بالناس عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

حيان بن علي الكوفي أبو علي أخو مندل

حدث عن الأعمش وسهيل بن أبي صالح روى عنه حجر بن المثنى وخلف بن هشام وكان صالحًا دينًا فقيهًا توفي هذه السنة وقيل‏:‏ في السنة التي تليها سعيد بن السائب الطائفي ‏.‏

روى عنه سفيان ووكيع أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار قال‏:‏ أخبرنا علي بن أحمد الملطي قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن محمد بن يوسف قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن صفوان قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن عبيد قال‏:‏ حدثني محمد بن الحسين قال‏:‏ حدثنا الحميدي عن سفيان قال‏:‏ كان سعيد بن السائب الطائفي لا يطاد تجف له دمعة إنما دموعه جارية دهره إن صلى فهو يبكي وإن جلس فهو يقرأ في المصحف فهو يبكي ‏.‏

قال سفيان‏:‏ فحدثوني أن رجلًا عاتبه على ذلك فبكى ثم قال‏:‏ إنما ينبغي أن تعذلني وتعاتبني على التقصير والتفريط وأنهما قد استوليا على ‏.‏

أخبرنا عبد الله بن علي المقرئ ومحمد بن ناصر الحافظ وعلي بن عمر قالوا‏:‏ أنبأنا طراد قال‏:‏ أخبرنا علي بن محمد بن بشران قال‏:‏ حدثنا ابن صفوان قال‏:‏ حدثنا أبو بكر بن عبيد قال‏:‏ حدثني الحسن بن الصباح قال‏:‏ حدثنا محمد بن يزيد بن حسن قال‏:‏ سمعت الثوري يقول‏:‏ جلست ذات يوم أحدث ومعنا سعيد بن السائب الطائفي فجعل يبكي حتى رحمته فقلت‏:‏ يا سعيد ما يبكيك وأنت تسمعني أذكر أهل الخير وفعالهم قال‏:‏ يقول‏:‏ يا سفيان وما يمنعني من البكاء وإذا ذكرت مناقب أهل الخير كنت منهم بمعزل قال‏:‏ يقول سفيان‏:‏ وحق له أن يبكي ‏.‏

توفي عبد الله في هذه السنة ‏.‏

عمر بن ميمون بن الرماح أبو علي ‏.‏

قاضي بلخ تولى القضاء بها أكثر من عشرين سنة وكان محمودًا في ولايته مذكورًا بالعلم والحلم والصلاح والفهم حدث عن سهيل بن أبي صالح والضحاك روى عنه‏:‏ سريج بن النعمان وكان ثقة وعمي في آخر عمره وتوفي ببلخ في رمضان هذه السنة ‏.‏

عيسى بن يزيد بن بكر بن داب أبو الوليد ‏.‏

أحد بني الليث بن بكر المديني قدم بغداد وأقام بها وحدث عن صالح بن كيسان وهشام بن عروة وكان رواية عن العرب وافر الأدب عالمًا بالنسب حافظًا للسير عارفًا بأيام الناس إلا أنهم قدحوا فيه فقالوا‏:‏ يزيد في الأحاديث ما ليس فيها ونسبه خلف الأحمر إلى الكذب ووضع الحديث ‏.‏

أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي الخطيب قال‏:‏ أخبرنا الأزهري قال‏:‏ أخبرنا حمد بن أحمد بن إبراهيم بن محمد بن عرفة قال‏:‏ لم يتول الخلافة قبل الهادي سنه أحد لأنه كان حدثًا وكان يحب الأدب وأهله ويعطي عليه ‏.‏

وكان عيسى بن داب يجالسه وكان أكثر أهل الحجاز أدبًا وأعذبهم ألفاظًا وكان قد حظي عند الهادي وكان يقول له‏:‏ ما استطلت بك يومًا ولا ليلة قط ولا غبت عن عيني إلا تمنيت ألا أرى غيرك ‏.‏

وأمر له بثلاثين ألف دينار فلما أصبح ابن داب وجه قهرمانه فطالب بالمال فلقي الحاجب فأبلغه رسالته فأعلمه أن ذلك ليس إليه وأنه يحتاج إلى توقيع فأمسك ابن داب فبينا الهادي في نستشرف له نظر إلى ابن داب قد أقبل وليس معه غلام فقال لإبرهيم الحداني‏:‏ أما ترى ابن داب ما غير حاله ولا تزيي لنا وقد برزناه بالأمس لنرى أثرنا عليه فقال له إبراهيم‏:‏ إن أمرنيام عرضت له بشيء من هذا قال‏:‏ لا هو أعلم بأمره ‏.‏

ودخل ابن داب فأخذ في حديثه إلى أن عرض له الهادي شيئًا من أمره فقال‏:‏ أرى ثوبك غسيلًا وهذا شتاء يحتاج إلى لبس الجديد واللين فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين باعي قصير عما أحتاج إليه فقال‏:‏ كيف ذاك وقد صرفنا إليك من برنا ما فيه صلاح شأنك قال‏:‏ ما وصل إلي فدعا بصاحب بيت مال الخاصة فقال‏:‏ عجل الساعة له بثلاثين ألف دينار فحملت بين يديه المفضل بن محمد بن يعلى الضبي سمع سماك بن حرب وأبا إسحاق السبيعي والأعمش وغيرهم ‏.‏

وروى القراءات عن عاصم بن أبي النجود روى عنه‏:‏ الكسائي والفراء وغيرهما وكان أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي الحافظ قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن محمد بن جعفر الخالع فيما أذن أن نرويه عنه قال‏:‏ أخبرنا علي بن محمد بن السري قال‏:‏ قال لنا جحظة‏:‏ قال الرشيد للمفضل الضبي‏:‏ ما أحسن ما قيل في الذئب ولك هذا الخاتم الذي في يدي وشراؤه ألف وستمائة دينار فقال‏:‏ قول الشاعر‏:‏ ينام بإحدى مقلتيه ويتقي بأخرى المنايا فهو يقظان هاجع فقال‏:‏ ما ألقي هذا على لسانك إلا لذهاب الخاتم ‏.‏

ورماه إليه فاشترته أم جعفر بألف وستمائة دينار وبعثت به إليه وقالت‏:‏ قد كنت أراك تعجب به فالتقطه الضبي وقال‏:‏ خذه وخذ الدنانير فما كنا نهب شيئًا فنرجع فيه ‏.‏

أبو عبد الله الحربي الزاهد ‏.‏

أخبرنا محمد بن ناصر قال‏:‏ أخبرنا أبو علي حسن بن أحمد قال‏:‏ حدثنا عبد الغفار بن محمد المؤدب قال‏:‏ حدثنا عمر بن أحمد الواعظ قال‏:‏ حدثني علي بن الحسن بن دليل قال‏:‏ حدثنا محمد بن أحمد المقدمي قال‏:‏ حدثنا علي بن عبد العزيز قال‏:‏ حدثنا إبراهيم بن عبد الله الجروي قال‏:‏ حدثنا إبراهيم بن شبيب بن شيبة قال‏:‏ كنا نتجالس في الجمعة فأتى رجل عليه ثوب واحد ملتحف به فجلس إلينا فألقى مسألة فما زلنا نتكلم في الفقه حتى انصرفنا ثم جاءنا في الجمعة المقبلة فأجبناه وسألناه عن منزله قال‏:‏ أنزل الخريبة فسألنا عن كنيته فقال أبو عبد الله فرغبنا في مجالسته وراينا مجلسنا مجلس فقه فمكثنا بذلك زمانًا ثم انقطع عنا فقال بعضنا لبعض ما حالنا وقد كان مجلسنا عامرًا بأبي عبد الله وقد صار يوحشنا فوعد بعضنا بعضًا إذا أصبحنا أن نأتي الخريبة فنسأل عنه فأتيناه الخريبة وكنا عددًا فجعلنا نستحي أن نسأل عن أبي عبد الله فنظرنا إلى صبيان قد انصرفوا من الكتاب فقلنا‏:‏ أبو عبد الله فقالوا‏:‏ لعلهم يعنون الصياد قلنا‏:‏ نعم قالوا هذا وقته الآن يجيء فقعدنا ننتظره فإذا هو قد اقبل مؤتزرًا بخرقة على كتفه خرقة ومعه أطيار مذبحة وأطيار أحياء فلما رآنا تبسم إلينا وقال‏:‏ ما جاء بكم فقلنا فقدناك وقد كنت عمرت مجلسنا فما غيبك عنا قال‏:‏ أصدقكم كان لنا جار كنت أستعير منه كل يوم ذلك الثوب الذي كنت آتيكم فيه وكان غريبًا فخرج إلى وطنه فلم يكن لي ثوب آتيكم فيه هل لكم أن تدخلوا المنزل فتأكلوا مما رزق الله عز وجل فقال بعضنا لبعض‏:‏ ادخلوا منزله فجاء إلى الباب فسلم ثم صلى قليلًا ثم دخل فأذن لنا فدخلنا فإذا هو قد أتى بقطع من البواري فبسطها لنا فقعدنا فدخل إلى المرأة فسلم إليها الأطيار المذبحة وأخذ الأطيار الأحياء ثم قال‏:‏ أنا آتيكم إن شاء الله عن قريب فأتى السوق فباعها واشترى لنا خبزًا فجاء وقد صنعت المرأة ذلك الطير وهيئته فقدم إلينا خبزًا ولحم الطير فأكلنا فجعل يقوم فيأتينا بالملح والماء فكلما قام قال بعضنا لبعض‏:‏ رأيتم مثل هذا ألا تغيرون وأنتم سادة أهل البصرة‏!‏ فقال أحدهم‏:‏ علي خمسمائة وقال الآخر‏:‏ علي ثلاثمائة وقال هذا وقال هذا ضمن بعضهم أن يأخذ له من غيره فبلغ الذي جمع له في الحساب خمسة آلاف درهم فقالوا‏:‏ قوموا بنا نذهب فنأتيه بهذا المال ونسأله أن يغير ما هو فيه فقمنا فانصرفنا على حالنا ركبانًا فمررنا بالمربد وإذا بمحمد بن سليمان أمير البصرة قاعد في منظره له فقال‏:‏ يا غلام آتيني بإبراهيم بن شبيب بن شيبة من بين القوم فجئت فدخلت عليه فسألني عن قصتنا ومن أين أقبلنا فصدقته الحديث فقال‏:‏ أنا أسبقكم إلى بره يا غلام آتيني ببدرة دراهم فجاء فقال‏:‏ احمل هذه البدرة مع هذا الرجل حتى يدفعها إلى من أمرناه ففرحت ثم قمت مسرعًا فلما أتيت الباب سلمت فأجابني أبو عبد الله ثم خرج إلي فلما رأى الفراش والبدرة على عنقه كأني سفيت في وجهه الرماد فأقبل علي بغير الوجه الأول وقال‏:‏ ما لي ولك تريد أن تفتنني فقلت‏:‏ يا أبا عبد الله أقعد حتى أخبرك إنه من القصة كذا وكذا وهو الذي تعلم أحد الجبارين يعني محمد بن سليمان ولو كان أمرني أن أضعها حيث ارى لرجعت إليه فخبرته إني قد وضعتها فالله الله في نفسك فازداد علي غيظًا وقام فدخل منزله وصفق الباب في وجهي فجعلت أقدم وأؤخر ما أدري ما أقول للأمير ثم لم أجد بدًا من الصدق فجئت فأخبرته الخبر فقال‏:‏ حروري والله يا غلام علي بالسيف فجاء بالسيف فقال‏:‏ خذ بي هذا حتى يذهب بك إلى هذا الرجل فإذا خرج إليك فاضرب عنقه وآتيني برأٍسه قال إبراهيم‏:‏ فقلت‏:‏ أصلح الله الأمير الله الله فوالله لقد رأينا رجلًا ما هو من الخوارج ولكني أذهب فآتيك به وما أريد بذلك إلا افتداء منه قال‏:‏ فضمنيه فمضيت حتى أتيت الباب فسلمت فإذا المرأة تحن وتبكي ثم فتحت الباب وتوارت وأذنت فدخلت فقالت‏:‏ ما شأنكم وشأن أبي عبد الله قلت‏:‏ وما حاله قالت‏:‏ دخل فمال إلى الركي فنزع منها ماء فتوضأ ثم صلى ثم سمعته يقول‏:‏ اللهم اقبضني إليك ولا تفتني ‏.‏

ثم تمدد وهو يقول ذلك فلحقته وقد مضى فهو ذاك ميت فقلت‏:‏ يا هذه إن لنا قصة عجيبة فلا تحدثوا فيه شيئًا فجئت محمد بن سليمان فأخبرته الخبر فقال‏:‏ أنا أركب فأصلي على هذا قال‏:‏ وشاع خبره بالبصرة فشهد الأمير وعامة البصرة رحمه الله ‏.‏

 ثم دخلت سنة اثنين وسبعين ومائة

فمن الحوادث فيها‏:‏ شخوص الرشيد إلى مرج القلعة ثم مرتادًا بها منزلًا ينزله وكان قد استثقل مدينة السلام وكان يسميها البخار فخرج على مرج القلعة فاعتل بها وانصرف وسميت تلك السفرة بسفرة المرتاد ‏.‏

وفيها‏:‏ عزل الرشيد يزيد بن مزيد عن أرمينية وولاها عبيد الله بن محمد المهدي ‏.‏

وفيها‏:‏ غزا الصائفة إسحاق بن سليمان بن علي ‏.‏

وفيها‏:‏ وضع الرشيد عن أهل السواد العشر الذي كان يؤخذ منهم بعد النصف ‏.‏

وفيها‏:‏ تزوج محمد بن سليمان بن علي العباسة بنت المهدي وهي أول بنت خليفة من بني هاشم نقلت من بلد إلى بلد نقلها إلى البصرة وأول بنت خليفة نقلت من خلفاء بني أمية بنت معاوية نقلت إلى البصرة إلى محمد بن زياد ذكره الصولي ‏.‏

وفيها‏:‏ ولي معاذ بن معاذ القضاء ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرني الأزهري قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن إبراهيم قال‏:‏ حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرفة قال‏:‏ ولي معاذ بن معاذ قضاء البصرة سنة اثنين وسبعين وكان له محل ومنزلة فلم يحمد أهل البصرة أمره وكتبوا وكثر الكارهون له والوقائع عليه فلما انصرف عن القضاء أظهر أهل البصرة السرور ونحروا النحور وتصدقوا بلحمها واستتر في بيته خوف الوثوب عليه ثم شخص بعد ذلك إلى الرشيد فاعتذر فقبل عذره ووهب له ألف دينار وكان من الأثبات في الحديث ‏.‏

وفيها‏:‏ حج بالناس يعقوب بن أبي جعفر المنصور وعمال السنة ما قبلها ‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

الحسن بن عياش بن سالم مولى بني أسد وهو أخو أبي بكر بن عياش القارئ ‏.‏

من أهل الكوفة وكان وصي سفيان الثوري وسمع أبا إسحاق الشيباني وإسماعيل بن أبي خالد والأعمش وغيرهم وكان ثقة توفي في هذه السنة ‏.‏

عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حنظلة بن الغسيل الأنصاري المديني رأى سهل بن سعد وأنس بن مالك وسمع عكرمة وروى عنه أبو نعيم الفضل بن دكين وكان توفي في هذه السنة وقيل‏:‏ السنة التي قبلها ‏.‏

 ثم دخلت سنة ثلاث وسبعين ومائة

فمن الحوادث فيها‏:‏ أن الرشيد أقدم جعفر بن محمد بن الأشعث من خراسان وولاها ابنه العباس بن جعفر ‏.‏

قال الصولي‏:‏ وخرج بالناس الرشيد محرمًا من بغداد ‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

إسماعيل بن زكريا بن مرة أبو زياد الخلقاني مولى أسد بن خزيمة يلقب شقوصًا ‏.‏

كوفي الأصل سمع إسماعيل بن أبي خالد وأبا إسحاق والأعمش وغيرهم وكان ثقة ‏.‏

أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر ابن ثابت قال‏:‏ أخبرني الأزهري قال‏:‏ حدثنا محمد بن عباس قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن الفهم قال‏:‏ حدثنا محمد بن سعد قال إسماعيل بن زكريا‏:‏ كان تاجرًا في الطعام وغيره وهو من أهل الكوفة نزل بغداد في ربض حميد بن قحطبة ومات بها في أول سنة ثلاث وسبعين ومائة وهو الخيزران جارية المهدي ‏.‏

اشتراها فأعتقها وتزوجها فولدت له الهادي والرشيد ولم تلد امرأة خليفتين غير ثلاث نسوة هي إحداهن والثانية ولادة العنسية بنت العباس زوجة عبد الملك بن مروان أم الوليد وسليمان والثالثة‏:‏ شاهقير يذ بنت فيروز بن يزدجرد ولدت للوليد عبد الملك إبراهيم ويزيد فوليا الخلافة‏.‏

وقد أسندت الحديث عن المهدي عن أبيه عن جده عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏ من اتقى الله وقاه الله كل شيء‏"‏‏.‏

أخبرنا أحمد بن علي المحلي قال‏:‏ أخبرنا أبو محمد الصريفيني قال‏:‏ أخبرنا أبو القاسم الصيدلاني قال‏:‏ حدثنا علي بن محمود الكاتب قال‏:‏ حدثنا أبو الحسن علي بن الحسين الطويل قال‏:‏ حدثني هارون بن عبيد الله بن المأمون قال‏:‏ لما عرضت الخيزران على المهدي قال لها‏:‏ والله يا جارية إنك لعلى غاية التمني ولكنك خمشة الساقين فقالت يا مولانا إنك أحوج ما تكون إليهما لا تراهما فقال اشتروها فحظيت عنده فأولدها موسى وهارون ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرني الأزهري والحسن بن أبي طالب وأنبأنا أحمد بن علي بن المقرئ قال‏:‏ أخبرنا أبو محمد الصريفيني قالوا حدثنا عبيد الله بن أحمد بن علي المقرئ قال‏:‏ حدثنا علي بن محمد بن أبي الجهم قال‏:‏ حدثني علي بن الطويل قال‏:‏ حدثني سليمان بن محمد عن الوقدي قال‏:‏ دخلت يومًا إلى المهدي فدعا بمحبرته ودفتره وكتب عني أشياء حدثته بها ثم نهض وقال‏:‏ كن بمكانك حتى أعود إليك ودخل إلى دار المحرم ثم خرج متنكرًا ممتلئًا غيظًا فلما جلس‏:‏ قلت يا أمير المؤمنين خرجت على خلاف الحال التي دخلت عليها قال‏:‏ نعم دخلت على الخيزران فوثبت إلي ومدت يدها إلى وخرقت ثوبي وقالت‏:‏ يا قشاش وأي خير رأيت منك وإنما اشتريتها من نخاس ورأت من يقول‏:‏ ما رأت وعقدت لابنيها ولاية العهد ويحك وأنا قشاش قال‏:‏ فقلت‏:‏ يا أمير المؤمنين ‏.‏

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ إنهن يغلبن الكرام ويغلبهن اللئام ‏"‏ وقال‏:‏ ‏"‏ خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي‏"‏‏.‏

وقال‏:‏ ‏"‏ خلقت المرأة من ضلع أعوج إن قومته كسرته ‏"‏ ‏.‏

وحدثته في هذا الباب بكل ما حضرني فسكن غضبه وأسفر وجهه وأمر لي بألفي دينار وقال‏:‏ أصلح بهذه من حالك وانصرفت فلما وصلت إلى منزلي وافاني رسول الخيزران فقال‏:‏ تقرأ عليك ستي السلام وتقول لك‏:‏ يا عم قد سمعت جميع ما كلمت به أمير المؤمنين فأحسن الله جزاك وهذه ألفا دينار إلا عشرة دنانير بعثت بها إليك لأني لم احب أن أساوي صلة أمير المؤمنين ووجهت إلي بأثواب ‏.‏

أخبرنا ابن ناصر قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي البسري عن أبي عبد الله بن بطة قال‏:‏ حدثنا أبو علي بن الحسين بن القاسم قال‏:‏ حدثنا أبو الفضل بن الربعي قال‏:‏ حدثني أبي قال‏:‏ سأل رجل الخيزران حاجة ثم أرسل إليه بهدية فأجابته‏:‏ إن كان ما وجهت به من هديتك ثمنًا لرأيي فيك فلقد بخستني القيمة وإن كان استزادة فقد استغششتني في المودة وردتها عليه ‏.‏

وقد حكى نحوه أبو بكر الصولي فقال‏:‏ لما ولي محمد بن سليمان البصرة أهدى إلى الخيزران مائة وصيف بيد كل وصيف جام من ذهب مملوء مسكاَ ‏.‏

فقبلت ذلك وكتبت إليه‏:‏ عافاك الله إن كان ما وصل إلينا منك ثمن رأينا فيك فقدبخستنا في القيمة وإن كان وزن مثلك إلينا فظننا بك فوقه ‏.‏

قال ابن الأعرابي‏:‏ كتب المهدي إلى الخيزران وهي بمكة‏:‏ نحن في أفضل السرور ولكن ليس إلا بكم يتم السرور عيب ما نحن فيه من أهل ودي أنكم غيب ونحن حضور فأجدوا في السير بل إن قدرتم أن تطيروا مع الرياح فطيروا فأجابته أو قالت لمن أجابه‏:‏ قد أتانا الذي وصفت من الشوق فكدنا وما فعلنا نطير لم أزل صبة فإن كنت بعدي في سرور فدام ذاك السرور توفيتالخيزران ليلة الجمعة لثلاث بقين من جمادى الآخرة من هذه السنة ودفنت بمقابر قريش‏.‏

وروى يحيى بن الحسن أن أخاه حدثه قال‏:‏ رأيت الرشيد يوم ماتت الخيزران وعليه طيلسان أزرق قد شد به وسطه وهو آخذ بقائمة السرير حافيًا يعدو في الطين حتى أتى مقابر قريش فغسل رجليه ودعا بخف فصلى عليها ودخل قبرها فلما خرج من المقبرة وضع له كرسي فجلس عليه ودعا الفضل بن الربيع وقال له‏:‏ وحق المهدي وكان لا يحلف بها إلا إذا اجتهد إني لأهم بالشيء لك من التولية وغيرها فتمنعني أمي فأطيع أمرها فخذ الخاتم من جعفر وولي الفضل نفقات العامة والخاصة وبادرويا والكوفة فتمت حاله وانصرف الرشيد من جنازتها يتمثل بقول متمم بن نويرة‏:‏ كنا كندماني جذيمة حقبة من الدهر حتى قيل لن تتصدعا فلما تفرقنا كأني ومالكًا لطول اجتماع لم نبت ليلة معًا وكانت غلة الخيزران ألف ألف وستين ألف درهم فاتسع الرشيد بغلتها وأقطع الناس من ضياعها ‏.‏

سعد بن عبد الله بن سعد أبو عمر المعافري ‏.‏

روى عنه عبد الله بن وهب ويقال هو الذي أعان ابن وهب على تصنيف كتبه وكانت له عبادة وفضل توفي بالإسكندرية في هذه السنة ‏.‏

عبد الرحمن بن أبي الموالي ويقال‏:‏ ابن زيد ابن أبي الموالي أبو محمد المدني مولى علي بن أبي طالب وقيل‏:‏ مولى أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏

حدث عن محمد أبو بكر كعب القرظي وابن المنكدر روى عنه‏:‏ الثوري وابن المبارك وأبو عامر العقدي والقعنبي وقتيبة وكان ثقة ‏.‏

وتوفي في هذه السنة غادر جارية الهادي ‏.‏

حكى جعفر بن قدامة قال‏:‏ كان لموسى الهادي جارية يقال لها‏:‏ غادر وكانت من أحسن النساء وجهًا وغناءً وكان يحبها حبًا شديدًا فبينا هي تغنيه يومًا عرض له فكر وسهو تغير له لونه فسأله من حضر عن ذلك فقال‏:‏ وقع في فكري أني أمو وأن أخي هارون يلي الخلافة ويتزوج جاريتي هذه ‏.‏

فقيل له‏:‏ نعيذك بالله ونقدم الكل قبلك فأمر بإحضار أخيه وعرفه بما خطر له فأجابه بما يوجب زوال هذا الخاطر فقال‏:‏ لا أرضى حتى تحلف لي إني أن متى مت لم تتزوجها ‏.‏

فأحلفه واستوفى عليه الأيمان من الحج راجلًا وطلاق نسائه وعتق المماليك وتسبيل ما يملكه ثم نهض إليها فأحلفها بمثل ذلك فما لبث إلا نحو شهر حتى توفي وولي الرشيد فبعث يخطب الجاري فقالت‏:‏ كيف يميني ويمينك فقال‏:‏ أكفر عن الكل وأحج راجلًا فتزوجها وزاد في شغفه بها على شغف أخيه حتى إنها كانت تضع رأسها على حجره وتنام ولا يتحرك حتى تنتبه فبينا هي ذات يوم على ذلك انتبهت فزعة تبكي فسألها عن ذلك فقالت‏:‏ رأيت أخاك الساعة وهو يقول‏:‏ أخلفت وعدي بعد ما جاورت سكان المقابر ونسيتني وحنثت في أيمانك الكذب الفواجر ونكحت غادرة أخي صدق الذي سماك غادر أمسيت في أهل البلاد وغدوت في حور الغرائر لا يهنك الألف الجديد ولا تدر عنك الدوائر ولحقت بي قبل الصباح فصرت حيث غدوت صائر والله يا أمير المؤمنين فكأني لما سمعتها كتبها قلبي فما أنسيت منها كلمة فقال لها الرشيد‏:‏ أضغاث أحلام فقالت‏:‏ كلا ثم لم تزل تضطرب وترتعد حتى ماتت بين يديه ‏.‏

أمه أم حسن بنت جعفر بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ‏.‏

كان من رجال بني هاشم وشجعانهم وكان قد ولاه المنصور البصرة والكوفة وزوجه المهدي بابنته العباسة ونقلها إليه في البصرة وكان له خاتم من ياقوت أحمر لم ير مثله فسقط ليلة من يده ليلة بنائه بالعباسة فجعلوا يطلبونه فلم يجدوه فقال‏:‏ اطفئوا الشمع ففعلوا فرأوه وكان له خمسون ألف مولى منهم عشرون ألف عتاقة وكانت به رطوبة فكان يتداوى بالمسك يستعمل منه كل يوم عشرين مثقالًا ويتركه في عكن بطنه وأقره على ولايته الهادي والرشيد وكانت غلته كل يوم ألف درهم وروي عنه حديث مسند لا يعرف له غيره ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسن الحسين بن عبد الواحد قال‏:‏ أخبرنا محمد بن إسماعيل المستلمي قال‏:‏ حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد قال‏:‏ حدثنا العباس بن أبي طالب قال‏:‏ حدثنا سلمة بن حيان العتكي قال‏:‏ حدثنا صالح الناجي عن محمد بن سليمان قال‏:‏ حدثني أبي عن جدي الأكبر يعني ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏ امسح على رأس اليتيم هكذا إلى مقدام رأسه ومن له أب هكذا إلى مؤخر رأسه ‏"‏ ‏.‏

أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرني القاسم الأزهري قال‏:‏ حدثنا أحمد بن إبراهيم قال‏:‏ حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرفة قال‏:‏ لما بويع الرشيد بالخلافة قدم عليه محمد بن سليمان وافدًا فأكرمه وعظمه وبره وصنع به ما لم يصنع بأحد وزاده فيما كان يتولى من أعمال البصرة وكور دجلة والأعمال المفردة والبحرين وعمان واليمامة وكور الأهواز وكور فارس ولم تجمع هذه لأحد غيره فلما أراد الخروج شيعه الرشيد إلى كلواذى ‏.‏

وتوفي في جمادى الآخر من هذه السنة وسنه إحدى وخمسون سنة وخمسة أشهر وأمر الرشيد بقبض أمواله ‏.‏

وذكر ابن جرير‏:‏ أن الرشيد بعث رجلًا يصطفي ما خلفه من الصامت ورجلًا إلى الكسوةو ولى الفرش والرقيق والدواب والطيب والجواهر فجعل لكل آلة رجلًا يصطفيها فأصابوا له ستين ألف ألف وأخرج من خزانته ثيابه التي كان يلبسها كل سنة في زمن الصغر وأخرجوا ما كان يهدى إليه من البلاد حتى الدهن والسمك فوجدوا أكثر ذلك فاسدًا فألقي في الطريق فأنتنت الطريق ‏.‏

وحكى الصولي‏:‏ أن الرشيد قبض ما خلفه محمد بن سليمان من المال فكان ثلاثة آلاف ألف دينار ولم يتعرض للضياع ولا الدور ولا المستغلات ولا الجواهر ولا الفرش ولا العطر ولا أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عبد الله الطبري قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسين بن بشران قال‏:‏ أخبرنا أبو صفوان قال‏:‏ حدثنا أبو بكر بن عبيد قال‏:‏ حدثني أبو محمد العتكي قال‏:‏ حدثني الحسين بن سلام مولى آل سليمان بن علي قال‏:‏ لما احتضر محمد بن سليمان بن علي كان رأسه في حجر أخيه جعفر بن سليمان فقال جعفر‏:‏ وانقطاع ظهراه فقال محمد‏:‏ وانقطاع ظهر من يلقى الجبار غدًا والله ليت أمك لم تلدني ليتني كنت حمالاُ وإني لم أكن فيما كنت فيه وولى الرشيد مكانه عمه سليمان بن أبي جعفر ‏.‏

وحكى ابن جرير أن قومًا قالوا‏:‏ كانت وفاة محمد بن سليمان والخيزران في يوم واحد ‏.‏

أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ قال‏:‏ أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عبد الواحد قال‏:‏ حدثنا محمد بن عبد الرحيم المازني قال‏:‏ أخبرنا أبو علي الحسين بن القاسم الكوكبي قال‏:‏ حدثنا محمد بن يزيد قال‏:‏ بلغني ان جارية من جواري محمد بن سليمان وقفت على قبره فقالت‏:‏ أمسى التراب لمن هويت مبيتا ألق التراب فقل له حييتا إنا نحبك يا تراب وما بنا غلا كرامة من عليه حثيتا هيلانة جارية الرشيد ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال‏:‏ أخبرنا الحسن بن علي الجوهري قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عمران المرزباني قال‏:‏ حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى المكي قال‏:‏ حدثنا محمد بن القاسم بن خلاد قال‏:‏ حدثنا الأصمعي قال‏:‏ كان الرشيد شديد الحب لهيلانة وكانت قبله ليحيى بن خالد بن برمك فدخل يومًا إلى يحيى قبل الخلافة فلقيته في ممر فأخذت بكمه فقالت‏:‏ نحن لا يصيبنا منك يوم فقال لها فكيف السيل إلى ذلك فقالت‏:‏ تأخذني من هذا الشيخ فقال ليحيى أحب أن تهب لي فلانة فوهبها له حتى غلبت عليه وكانت تكثر أن تقول هي إلا أنه فسماها هيلانة فأقامت عنده ثلاث سنين ثم ماتت فوجد عليها وجدًا شديدًا وأنشد‏:‏ قد قلت لما ضمنك الثرى وجالت الحسرة في صدري اذهب فلا والله لا سرني بعدك شيء آخر الدهر أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال‏:‏ أخبرنا الأصبهاني قال‏:‏ أخبرنا العسكري عن أبي بكر الصولي قال‏:‏ أخبرنا الغلابي قال‏:‏ حدثنا محمد بن عبد الرحمن قال‏:‏ لما توفيت هيلانة جارية الرشيد أمر العباس بن الأحنف أن يرثيها فقال‏:‏ يا من تباشرت القبور بموتها قصد الزمان مساءتي فرماك ملك بكاك وطال بعدك حزنه لو يستطيع بملكه لفداك يحمي الفؤاد عن النساء حفيظة كيلا يحل حمى الفؤاد سواك فأمر له بأربعين ألف درهم لكل بيت عشرة آلاف وقال‏:‏ لو زدت لزدناك

يحمي الفؤاد عن النساء حفيظة**كيلا يحل حمى الفؤاد سواك

فأمر له بأربعين ألف درهم لكل بيت عشرة آلاف وقال لو زدت لزدناك

الخاتمة

تم الجزء الثامن من كتاب المنتظم في تاريخ الملوك والأمم تأليف الشيخ الإمام الحافظ أبي الفرج عبدالرحمن بن علي بن محمد بن علي الجوزي غفر الله له‏.‏